قراءة في خطاب العرش 2025: الملك محمد السادس يرسم ملامح مغرب التنمية المجالية المندمجة ويوجه رسائل تفيض حكمة في عدد من الاتجاهات

بقلم: محمد لمغاري
في كل سنة، يشكل عيد العرش مناسبة رمزية لتجديد البيعة بين الملك والشعب، لكنه يتجاوز هذا الطابع الاحتفالي ليكون محطة سنوية لتحديد ملامح الرؤية الملكية لمسار الدولة المغربية، من حيث أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والدبلوماسية. وفي خطاب العرش ليوم 30 يوليوز 2025، قدم جلالة الملك محمد السادس نصره الله، قراءة استراتيجية عميقة لمستقبل البلاد، حيث جمع بين تثمين الإنجازات التنموية، والتنبيه إلى مواطن الخلل، والدعوة إلى إرساء عدالة اجتماعية ومجالية حقيقية.
“المغرب الصاعد”: تثبيت السردية الاقتصادية الوطنية
في مستهل الخطاب، أعاد جلالة الملك التأكيد على مفهوم “المغرب الصاعد”، وهو مصطلح تكرر أكثر من مرة ليعكس رؤية المملكة لنفسها كقوة اقتصادية واعدة في الجنوب العالمي. وأوضح الملك أن ما تحقق من إنجازات لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة خيارات استراتيجية كبرى تم اتخاذها منذ توليه العرش بثبات ورؤية بعيدة المدى.
ومن بين هذه الخيارات يؤكد خطاب جلالته:
تعزيز البنية التحتية الكبرى، مثل القطار فائق السرعة ومشاريع السيادة الطاقية والمائية.
تنويع الاقتصاد من خلال تطوير قطاعات الطيران وصناعة السيارات والطاقات المتجددة.
توسيع الشراكات الدولية، حيث أصبح المغرب يرتبط بأكثر من 3 مليارات مستهلك عبر اتفاقيات التبادل الحر.
الرسالة الملكية واضحة: المغرب لا يراهن على الريع أو الصدفة، بل يسعى إلى ترسيخ نموذج اقتصادي متنوع ومندمج ضمن سلاسل الإنتاج العالمية
الدولة الاجتماعية: الإنسان قبل المؤشر
رغم الإشادة بالأداء الاقتصادي، حرص الملك على التأكيد أن التنمية يجب أن تُقاس بتحسين ظروف عيش المواطنين، لا فقط بالمؤشرات الرقمية. وجاء في الخطاب:
“لن أكون راضياً، مهما بلغ مستوى التنمية الاقتصادية، إذا لم تساهم في تحسين ظروف عيش المواطنين”.
هذا الموقف يعكس تحوّل الدولة نحو نموذج اجتماعي يعلي من شأن العدالة الاجتماعية، ويتجلى ذلك في:
تعميم التغطية الاجتماعية تدريجياً على الفئات المستحقة.
تقديم الدعم المباشر للأسر الفقيرة والمحتاجة.
التفاعل مع نتائج الإحصاء العام لسنة 2024، الذي كشف عن تراجع الفقر متعدد الأبعاد من 11.9% إلى 6.8%.
لكن جلالة الملك لم يغفل التنبيه إلى استمرار التفاوتات، خصوصاً في العالم القروي، في إشارة واضحة إلى أن السياسات المجالية السابقة لم تكن كافية لتحقيق التوازن المطلوب.
من العدالة الاجتماعية إلى العدالة المجالية
الشق الأهم في الخطاب تمثل في دعوة صريحة إلى الانتقال من منطق الدعم الاجتماعي إلى منطق التنمية المجالية المندمجة، من خلال:
تعزيز التشغيل المحلي.
تحسين التعليم والصحة.
التصدي لأزمة الماء عبر تدبير استباقي.
انسجام المشاريع المحلية مع الاستراتيجيات الوطنية الكبرى.
جلالة الملك دعا إلى تجاوز منطق “مغرب بسرعتين”، مشيراً إلى أن الإصلاحات المركزية لا تكفي إذا لم تُترجم إلى عدالة مجالية ملموسة.
الانتخابات المقبلة: احترام الزمن الدستوري واستدعاء للنخبة
في خطوة ذات دلالات سياسية عميقة، أشار الملك إلى الانتخابات التشريعية المقبلة لسنة 2026، داعياً إلى:
احترام موعدها الدستوري.
إعداد المنظومة القانونية المؤطرة لها قبل نهاية سنة 2025.
فتح مشاورات سياسية واسعة تحت إشراف وزير الداخلية.
ويحمل هذا التوجيه ثلاث رسائل رئيسية:
1. احترام الزمن الدستوري ضرورة مؤسساتية.
2. الأحزاب مطالبة بالاستعداد عبر برامج حقيقية، لا فقط حسابات ظرفية.
3. الملكية تواكب الزمن السياسي كما تضبط إيقاع التنمية.
اليد الممدودة للجزائر وتجديد الالتزام المغاربي
كالعادة، خصص الخطاب جزءاً للعلاقات مع الجزائر، حيث قال الملك بلغة واضحة وثابتة:
“الشعب الجزائري شعب شقيق… واليد الممدودة لا تزال قائمة”.
الرسائل كانت واضحة:
انفتاح على حوار صريح ومسؤول مع الجزائر.
التأكيد أن تجاوز الخلافات هو مفتاح بناء اتحاد مغاربي فعّال.
الإشارة إلى أن الحلول السياسية الإقليمية تمر عبر شراكة بين المغرب والجزائر.
هذا الموقف ظل ثابتاً في خطابات العرش منذ سنوات، ويؤكد رغبة المغرب في كسر الجمود الثنائي وفتح آفاق جديدة للتكامل المغاربي، رغم كل الصعوبات.
في الخلاصة الخطاب حمل عنوانا بارزا الوضوح والإرادة السياسية
خطاب العرش لسنة 2025 لم يكن مجرد تقييم مرحلي، بل إعلان إرادة استراتيجية لمغرب جديد، أكثر توازناً وإنصافاً. ومن خلاله، وجه جلالة الملك رسائل قوية إلى الداخل والخارج، تؤكد أن المملكة تسير بثقة نحو تثبيت نموذج اقتصادي متنوع، واجتماعي عادل، ومجالي متكامل، في إطار من الاستقرار المؤسساتي والدينامية الإقليمية المنفتحة.